في بيتي طفل لا يخاف. إسمه عبد العزيز وعمره 8 سنوات. عبد العزيز لا يفهم قصص الأرانب والفأر والصرصار، بل يتحدث بطلاقة عن الصهيونية والمقاومة والدبابات.

قرب البيت يقع مجمع الأمن الوقائي، الذي استهدف بقذيفة منذ يومين واليوم قصفته ال إف 16 مرتين. تكسر منزل عبد العزيز وانتشر الزجاج في كل مكان. لكن عبد العزيز لم يبق . وعندما جاءت بنت الجيران تصرخ قام عبد العزيز بتقبيلها وضمها. عبد العزيز كان "سيد الموقف"، طفل الثماني سنوات.

بينما طلبت بنت الجيران من أمها بخوف أن لا تنام قائلة: يا ماما، افتحي عينيك، افتحي عينيك؟ كان عبد العزيز في سريره الساعة التاسعة ينام نوماً هنئياً. عبد العزيز لا يخاف

.عبد العزيز يقرأ الشعر وعندما طلبت منه إلقاء بعض بيوت الشعر التي يحفظها عن ظهر قلب غنى لي الأناشيد: ليس بعد الليل إلا ... مجد فجر يتسامى.

في وسط انفجار مرعب، يبحث عبد العزيز عن أمه ليحميها. يصيح بها قائلاً "ماما؟ إنزلي على الأرض"؟ ويبقى هو مكانه متيقظاً.

يتابع عبد العزيز أخبار الجزيرة وبين الحين والآخر يقرأ في كتاب عن التراث الفلسطيني. وعندما تتعالى أصوات القذائف الإسرائيلية، يهرع عبد العزيز لسماع المذياع لمعرفة عدد الضحايا والشهداء.

يسألني عبد العزيز عن بيروت ويسألني عن طرقات بيروت وأهل بيروت والطعام في بيروت ويسألني إن كانت هناك طائرات إسرائيلية تحوم في سماء بيروت. يسألني عن الأولاد في بيروت وكيف يلعبون؟ "هل يلعبون في الخارج تحت القصف؟" عبد العزيز يظن أن إسرائيل تحتل العالم بأجمعه، كنت سأقول له "نعم، ولكن تقتلنا نحن فقط، نحن الحلقة الأضعف. يسألني لماذا لا يمنع العالم إسرائيل من قتلنا وما هو "الصمت العربي؟" الجملة التي ترددها قنوات الأخبار، قلت له: "الصمت العربي هو أغنية جديدة لأحد نجوم "بار أكاديمي".

بل وسألني عبد العزيز عما جرى في حرب تموز وتساءل إن كنا سينتصر كما فعلت المقاومة في لبنان. ثم يعود ويتساءل عما هو معبر رفح، ولماذا لا تفتحه السلطات المصرية: لماذا يريدوننا أن نموت. عبد العزيز يحب أغاني جوليا ويردد وراءها على إذاعة صوت الشعب :"نحن الثورة والغضب ... نحن تاريخ الأبطال".

فيما يقصف القطاع من شماله في بيت حانون وجباليا إلى جنوبه في رفح وخان يونس مروراً بوسطه في مخيمات اللاجئين دير البلح والمغازي والبريج والنصيرات يجلس طفل الثماني سنوات من دون ألعاب ومن دون أصدقاء أو رسوم متحركة ومن دون أغاني تعليم الحروف الأبجدية، يجلس عبد العزيز تحت القصف في بيت دمرته الصواريخ والنيران، يجلس عبد العزيز ويفكر بما سيحصل ويحدق في فضاء الغرفة.

عبد العزيز طفل لا يخاف، عبد العزيز طفل سرقت من الطفولة والألعاب والموسيقى والهيصات، سرقت منه احتفالات أعباد الميلاد وقوارب الأغاني والمسرحيات ... يتمنى عبد العزيز أن يزور بعض الأصدقاء، يتمنى أن يلعب كرة القدم في حديقة المنزل، يتمنى أن يعرف معني السلام، يتمنى أن يأتي الخبز طازجاً إلى البيت ويشرب الحليب الساخن ... يتمنى ألا تذهب سنين الطفولة هدراً في البيت تحت القصف والانقسام وأن لا يفيق يوماً على خبر فقدان أحد زملائه في المدرسة.... يتمنى أن يصبح رجلاً حراً وأن يحلم أحلاماً تطال السماء ...

في بيوت غزة أطفال لا تخاف من جن الحرب ورعد القصف وبصق النار وأنغام الزنانات ... في بيوت غزة أطفال تريد أن تعيش وأن تبني وطناً فوق الرماد، تريد نهاية لزمن الأوجاع والقبح والانكسار، زمن الشعب المظلوم والمذبوح.... من قلب الحصار، من غزة التي تموت كل يوم مع موت أبناءها إلى أطفال العالم: نريد أن نعيش أحرار؟

خبر عاجل: استشهاد طفل ثماني سنوات تحت أنقاض منزله المهدم في ركن من المخيم بينما كان يحمي بيده اليمنى أمه ويحمل في يده الأخرى مذياعاً لا زال مفتوحاً على إذاعة صوت الشعب يقول مذيعها: لو سقط بيرق فما زال البيدر مملوءاً بالبيارق!